المشاركات الشائعة

السبت، 27 يوليو 2019

تعمريات- عن أد معتصم صلاح عامر رحمة الله عليه

هذا العام توفي لرحمة الله أد معتصم صلاح عامر أستاذ الطب الباطني وطب المسنين (1947-2019).

سأحكي عن ذكرياتي الخاصة معه وعن ما أعرفه بهدف تسجيل مجهوده ليكون مثال للأجيال الجديدة والقادمة.

إنضم أد معتصم صلاح عامر لقسم طب المسنين عندما كان مدرسا بالطب الباطني بكلية طب عين شمس، بوحدة الجهاز الهضمي وهي الوحدة التي إنتمى لها أد محمدصبور من الجيل الأول لمؤسسي طب المسنين. لا أدري إن كان د محمد صبور قد رشحه أو أقنعه للإنضمام لطب المسنين. وهو الجيل الثاني من نفس جيل الأساتذة د عبد الفتاح طه ويحيى مهران ومحسن ماهر. ودعمه أد عاشور بتيسير تدربه على طب المسنين مع الجيل الثاني في جامعة مينيسوتا بإتفاقية الفولبرايت.
ويبدو أنه وجد في تخصص طب المسنين عشقه وذاته فمنحه باقي عمره وحياته بسخاء. فشارك في إتمام تأسيس القسم. وأزعم أنه وراء تأسيس الجانب العلمي للباطنة العامة والقلب بقوة في قسمنا دون تفريط أو إفراط. مع إهتمامه الكبير بكل جوانب طب المسنين، ومنها علوم التعمر. وكنت أتعجب من قوة علمه ومعرفته بمقاييس القدرات المعرفية وتبحره في مرض الدمنشيا.
وقد إستلم رئاسة القسم بعد أد محمد حسن البانوبي.
وأسست الرعاية المركزة لطب المسنين في عهده بمساعدة آخرون.



بعض الذكريات معه:
*أتذكر كلماته التي قالها في حفل خروجه معاش (وقت تصوير الصورة الشهيرة للثلاثة لأساتذة الجيل الثاني بعد أد عاشور رحمة الله عليه) موجها كلامه لكل الأجيال الجديدة الحاضرين للإحتفال: "لكل شئ شروق وغروب، وأنا في غروبي الآن. أنتم في الشروق، حافظوا على القسم وإستمروا في حمل الأمانة".

*يتذكره كثير من خريجي طب عين شمس فقد كان يصر بنفسه على تدريس جزء من منهج طلبة البكالوريوس أثناء كورس طب المسنين، ويطبع مذكرة صغيرة عن طب المسنين على نفقته ويوزعها مجانا على كل الطلاب. وكانت مصدرا معرفيا مهما في زمن لم يكن هناك مصدر علمي عن طب المسنين لقراءته.

كان مثال على الإنضباط والإلتزام. كل يوم سبت له مرور Grand round ثابت صباحي على كل حالات الرعاية المركزة لطب المسنين GICU (عندما كنا المبنى القديم بسعة 9-11 سرير). ثم يترأس بعده النادي الأدبي لطب المسنين Journal club. وكان يقرأ كل المقالات التي ستعرض ويناقش بعمق من يعرضها.
وكل يوم إثنين كان المؤتمر الإكلينيكي الأسبوعي clinical cases conference لعرض بعض الحالات ومناقشتها. وكان يذهلنا بما يستطيع إكتشافه من علامات في المرضى مثلا بسماعه لغط القلب البسيط بسبب مشاكل الصمامات. رحم الله ذلك الجيل الذي تعلم الدقة في العلامات السريرية Physical examination skills وتمتع بحساسية عالية يصدقها الفحوصات مثل السونار والإيكو.

وسمعنا أنه كان يمر من قبل سابقا على القسم الداخلي القديم كل يوم سبت بعد الرعاية (كان بسعة حوالي 21 سرير) حتى أصيب في قدمه. 

وكان صاحب عزيمة ومثابرة وإصرار وتفاني جبار ولم يمنعه من الحضور لتلك الأنشطة العلمية لا حر ولا برد ولا زحام مروري ولا مطر ولا حتى إضطرابات ثورة أو خلل أمني بعد ٢٠١١. رحمة الله عليه لم يتغيب عن تلك الأنشطة إلا مرات قليلة تعد على أصابع يد واحدة حتى قرب مرضه الأخير.

وكان رجل علم ذو ذاكرة ممتازة, يعشق المعرفة، فكان يناقش ويربط كل المقالات التي تعرض في النادي الأدبي لطب المسنين بمهارة كبيرة يحسد عليها. وكان متواضع فلا يخجل من تصحيح معلومة أو رأي سابق قاله أو الرجوع في دعم أي شخص لم يثبت إستحقاقه العلمي لدرجته.
وحرص على معرفة كل جديد من فحوصات أو علاجات أو أدوية والتعريف بها في النادي الأدبي، حتى كأنك تتعامل وتحتك علميا بالغربيين. وظهر ذلك جليا عند عملنا في أي مكان خارج قسمنا أو حضور أي دورة أو مؤتمر والإحتكاك بالأجانب. جزاه الله عنا خيرا.
أسست الرعاية المركزة لطب المسنين في عهد أد محمد البانوبي. وأعتقد أنه كان يعتبرها إبنته التي لم تولد. وكان يمر على كل حالاتها تليفونيا مع الأخصائي أو الإستشاري النوبتجي يوميا وقت المغربية. ويقدم خبرته ودعمه بعطاء كامل.

في عهد رئاسته للقسم كان أول مشروع لإنشاء وتطوير مراكز/وحدات طب ورعاية المسنين في وزارة الصحة. (مقالة منشورة عن المشروع).

كما قبل بمشاركة منهج الدراسات العليا الخاص بنا مع طب المنصورة وتسجيل رسائل ماجستير ودكتوراة عندنا لأعضاء هيئة تدريس من طب المنصورة لدعمهم في إنشاء قسم طب المسنين لديهم. وقد علمت ذلك لأني رددت بنفسي في أحد الأيام على أد عبد العزيز السوم عندما طلب تليفونيا قسمنا على تليفون الرعاية المركزة حوالي عام 2005-2006. ثم قابلته شخصيا في مالطا عام 2007.

كان رجل نزيه من أسرة كريمة. لم ينغمس في ممارسة الطب في القطاع الخاص ولا في عيادة خاصة. وكان يتدخل بنفسه وبعلاقاته لحل مشاكل القسم ويحمل همومه بلا كلل أو ملل. ولا يتحرج من النقاش بحدة مع أي مستوى بالإدارة لتحصيل حقوق المرضى المسنين أو القسم أو الرعاية المركزة. كنت أراه كالأسد الهائج يناضل إدارة المستشفى أو رؤساء الأقسام الآخرين أو الإدارة الهندسية أو شركات توريد وصيانة أجهزة الرعاية المركزة. ولم يستغل أحد يوما ما أبدا. وكان نعم المحامي/المناصر Health advocate عن المسنين وعن طب المسنين.

كان كثير الصدقات في السر والعلن. وحريص على تحسين الخدمات من جيبه. أتذكر سعيه بشدة لإدخال تلفيزيونات للمسنين في عنابر القسم الداخلي الثلاثة بالقسم القديم. وكان عملا سابقا لعصره في ذلك الوقت.

كان يقوم ببناء أجيال لتخلفه وبناء القدرات Building capacities، فكان يشترك في كل المجلات العالمية على حسابه الخاص. ويمد بها الجميع لتحضير محاضرات النادي الأدبي لطب المسنين. وكان يحرص على حفز ودعم المدرسين المساعدين والمدرسين لإلقاء المحاضرات في المؤتمرات السنوية للكلية وغير ذلك من أنشطة. 

وقد تدخل بنفسه أكثر من مرة لإيجاد فرص تثبيت لبعض الأطباء المقيمين المجتهدين بعد إنتهاء فترة نيابتهم للتعيين كأعضاء هيئة تدريس بالقسم. وذلك إيمانا منه ببناء القدرات. وقد تدخل وحارب بنفسه لزيادة عدد الأطباء المقيمين المعينين بالقسم ليصبحوا ثمانية سنويا (أربعة دور أول وأربعة دور ثاني).

كان صديقا للتكنولوجيا ويحرص على تعلم الجديد، مثل أجيال المحمول واللابتوب لتحصيل العلم والدخول على الإنترنت.

كان رجل علم من الطراز الأول منذ نشأته وقد نشر مقالات في مجلات عالمية منذ زمن قديم في صغره، مثلا مع د عبد الفتاح طه. وكان البعض يشعر أحيانا ببعض الضيق منه لدفعه الزملاء بالقسم لنشر المقالات العلمية في مجلات دولية من أعلى مستوى حسب إستطاعتهم. وقد إستمر عضو دائم في لجنة الترقيات لسنوات متعددة بفضل مجهوده العلمي.
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/?term=Amer%20MS%5BAuthor%5D&cauthor=true&cauthor_uid=24433370

أول مقالة عالمية له نشرت عام 1983
J Egypt Soc Parasitol. 1983 Dec;13(2):423-7.
Serum beta-2-microglobulin in intestinal and hepatosplenic bilharziasis.
Nasser HE, Amer MS, Taha MA, Shawkat A, Abo-Elmaged L, El Missiry AG, Khalil I, Schoukry NA, Abdel Mohsen A, Soliman H.

PMID: 6363570 [Indexed for MEDLINE]
(يجب الإنتباه لوجود تشابه بين إسمه وإسم M Samir Amer الذي إنتمى لجامعة الإسكندرية وبدأ نشره الدولي حوالي عام 1965).

وكان مُصراً على دعم التطور العلمي للزملاء بالتمويل والتمكين. مثلا بحضور دورة أساسيات الرعاية المركزة FCCS في وحدة شريف مختار في القصر العيني.
وكان به حزم في آراءه قد يضايق البعض أحيانا، لكنه كان ذو رؤية مستقبلية وإستشراف وقدرة على قراءة شخصيات  الناس. ويقدم مصالح القسم والتخصص على مصالح الأفراد.

كان متفتحا وداعما للآخرين، أتذكر بعض الأشياء التي دعمني وآخرين في عملها في وقت رئاسته للقسم: إنشاء سجل للمرضى Patient database، إنشاء دورة أساسيات طب المسنين لللأطباء ولمقدمي الخدمات الصحية وللرعاة (مع د إكرامي ود منار)، تمكين الإستفادة من جهاز سونار بإستخدامه لحالات القسم والرعاية المركزة، تمكين إنشاء شبكة داخلية Intranet وتوصيلها بشبكة إنترنت الجامعة (مع د محمد شوقي) (وقد إستفاد منها العديد من الزملاء للوصول للمقالات العلمية لبحوثهم ورسائلهم)، دعوتنا أد بيتر ميلارد الرئيس السابق للجمعية البريطانية لطب المسنين لإلقاء محاضرة بقسمنا (مع د تامر فريد) ، دعوة لورا إيفنجر أخصائية العلاج الوظيفي لإلقاء محاضرة بقسمنا ومحاولة تأسيس تلك الخدمة فيه، حرص على ترشيح النواب للدورات العلمية وتمكينهم من ذلك وكان متفتحا لحضور أي دورة علمية بما لا يؤثر على سير العمل أو يجني على حقوق الآخرين (وقد وافق في عهده على حضوري دورة مالطا ودورة طب تلطيفي ودورتين سونار على حسابي الشخصي، ورشح ومكن آخرون من الحضور معي)، وفي عهده وافق على إنتداب بعض الأطباء المقيمين للأقسام الأخرى لبناء القدرات.



كان نموذجا للتعمر النشط ولقوة عزيمة ذووي الهمم في الإستمرار في أنشطتهم في الحياة والعطاء للمجتمع والإندماج وعدم الإنعزال.

كان زاهدا في بريق الإعلام وأضواء ولمعان الشهرة. بل وحتى المنابر العلمية من مؤتمرات وأيام إحتفالية، فيقوم بترشيح جيل جديد لتمثيل قسمنا وتخصصنا فيه. وربما كان لذلك بعض الأثر الجانبي مثل عدم تبني عمل أيام علمية أو مؤتمرات عن طريق جمعية طب المسنين. لكن ذلك جعل الجيل الثالث ينضج بسرعة ويتحمل المسؤولية مبكرا.

لم ينغمس في السياسة لا قبل ولا بعد ثورة ٢٠١١ ولم ينضم لأي أحزاب، رغم حرصه وإهتمامه بشئون البلد. ربما كان ذلك أحد مصادر قوته وجرأته في المحاماة ومناصرة المسنين وتخصص طب المسنين. فلم يخشى على منصبه أو يخاف من أحد أو يطأطأ ليحصل مكسب وظيفي أو مالي.

كان شديد الإحترام للأقدمية والتسلسل الوظيفي -دون إفراط أو تفريط-. وكان يعالج كل إشكاليات فرق العمل بحكمة وحزم بدون أذى أو تسلط، مما ساهم في عدم تكرار المشاكل وفي نجاح فرق العمل ورعاية المرضى وسير العمل بسلاسة.

كات حريصا على إنشاء فرق بحثية بوضع خطة بحثية تنفذ في عدة رسائل علمية ماجستير ودكتوراة. ويوصل طلاب الدراسات العليا بمعارفه في الأقسام الأخرى لتيسير إجراء البحوث والفحوصات وجمع الحالات. مما قدم بعض التيسير على بعض طلاب الدراسات العليا.

وعلى الرغم من أنه كان ذو شخصية قد تبدو صعبة أو إنعزالية (ربما بسبب ظروفه الصحية)، إلا أنه كان رقيق القلب ورفيقا بمن يترأسه بل وحنونا على صغار المرؤوسين والضعفاء من المرضى ومقدمي الخدمات الصحية.


رحمة الله عليه
رحمة الله عليه فقد صمد عدة سنوات كرئيس للقسم برغم وجود صعوبات ليست بالقليلة. وتمكن من تطويره ودعم التخصص ووضع أسس للعمل الإكلينيكي والأكاديمي المنظم. وترك إرثا علميا وأدبيا وأخلاقيا في نفوس زملائه وتلاميذه ومرؤوسيه جعلهم يحزونوا لفراقه. ندعو له بالرحمة وبالمباركة في الثواب.

هناك 12 تعليقًا:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
    الردود
    1. رحمة الله عليه كان نعم المعلم ومثالا يقتدى به فى الإصرار و الالتزام
      كان واسع الاطلاع على أحدث الأبحاث العلمية فى طب المسنين و كان قدوتنا جميعا فى ذلك و نبهنا الى اهمية البحث العلمى و النشر الدولى
      كان دائم العطاء لصغار الأطباء و رغم حزمه الشديد كان نعم العون لنا جميعا و ساعدنا على تجاوز العديد من العوائق الإدارية فى ممارستنا لعملنا تحت اشرافه
      جزاه الله عنا خير الجزاء و جعل علمه شفيعا له

      حذف
  2. رحمه الله رحمه واسعة...كان يضرب به المثل للمعلم والاب الروحي. له فضل على كل واحد في القسم منذ إنشاءه إلى أن توفاه الله. كان نعم القدوة في الالتزام وحسن الخلق والتفاني في العمل. وفاته خسارة للمسنين عامة ولقسم المسنين ولنا خاصة.
    رحمه الله رحمه واسعة وغفر له

    ردحذف
  3. رحمه الله وادخله فسيح جناته وجزاه عنا خير الجزاء كان قدوة فى الالتزام والحضور المنتظم لتعليم الصغار clinical والكبار كل ما هو جديد فى مجالنا. فى وقت قليل من الاستاذه من يلزم نفسه و يستطيع المتابعه والاستمرار لتعليم الاجيال القادمة. سنظل نذكره بكل خير وندعو له

    ردحذف
  4. كان رحمه الله حريصا على العمل و العلم حتى أخر ايامه لم نعرف عنه التكاسل او الاهمال حتى مع ظروفه الصحية الصعبة التى يعلمها الجميع ليتنا نستطيع ان نقوم و لو بجزء بسيط من تفانيه و اجتهاده فى العمل و حرصه على العلم ربنا يجعل علمه و تعليمه لكل الاجيال الصغيرة فى ميزان حسناته و يدخله فسيح جناته

    ردحذف
  5. أستاذي ومعلمي رحمة الله عليه كان حريص علي تعليم الأجيال الأصغر أهمية فحص المريض جيدا للوصول الي التشخيص وتنمية ال clinical skills بالإضافة إلي حرصه الشديد علي تعليمنا كل ما هو جديد في ما يخص طب وصحة المسنين لي معه مواقف كثيرة أن انسي وانا نائب بالقسم حينما سألني عن فحص مريض واجبت اني لم أتمكن من سماع هذا علي المريض أعطاني السماعة وأصر أن يعلمني ويتأكد من اني بالفعل عرفت ازاي أميز أصوات لغط القلب بنفسه ومنها مواقف عدة من هذا القبيل كان يتعامل معنا كأننا أولاده وأنه مسئول عن تعليمنا كان حريص علي مرور الرعاية المركزة كل يوم سبت الساعة 9 ونصف صباحا وال journal club أسبوعيا وال clinical conference أسبوعيا حتي رغم ظروفه الصحية والله اني لا أنساه ابدا واحكي لأولادي عنه داءم فهم يعلمون انه كان وما زال قدوة لي رحمه الله واسكنه فسيح جناته

    ردحذف
  6. استاذي الفاضل ربنا يرحمه و يحسن اليه و يدخله فسيح جناته..جزاه الله عنا خير الجزاء.. و جعل ما علمه لنا في ميزان حسناته ان شاء الله

    ردحذف
  7. رحمه الله عليه كان نعم المعلم والقائد و الاستاذ الطبيب المحب للعلم والتعليم تعلمت منه كثيرا وجزاه الله خيرا عن قسمنا طب وصحه المسنين وعلوم الاعمار ولعلنا نكون الولد الصالح الذي يدعوا له وقد ترك علما ينتفع به

    ردحذف
  8. ربنا يرحمه و يسكنه فسيح جناته كان استاذ عظيما و له الفضل علي كل من في القسم

    ردحذف
  9. رحمة الله عليه كان بينه وبين التخصصات الأخرى كأخصائين نفسيين واجتماعيين وتخاطب وتغذيه احترام متبادل تذكره دوما بكل الخير ودعاء يملأ ما بين السنوات والأرض

    ردحذف
  10. جازا الله خيراوجعل عمله وعلمه في ميزان حسناته

    ردحذف
  11. ربنا يرحم استاذنا الفاضل د معتصم صلاح عامر ويجعل كل اعماله وعلمه في ميزان حسناته

    ردحذف