المشاركات الشائعة

الثلاثاء، 7 مايو 2019

تعمريات: المسن كسجل حي للرعاية الصحية والشكاوى الغامضة

 المسن كسجل حي للرعاية الصحية والشكاوى الغامضة

كان أحد المرضى عمره فوق الثمانين قد ناظره أحد الزملاء وكان يشتكي من ألم غامض بأسفل البطن ناحية اليمين وأعلى الفخذ الأيمن قرب المنطقة الإربية "خن الورك" Groin. وذلك بعد حدوث سقوط للمريض.

هذه الشكوى في كبار السن تقلق أي طبيب. وذلك خوفا من كسر عنق عظمة الفخذ الشهير في كبار السن.

وقد تم طلب أشعة للمريض في محاولة لإستيضاح الأمر.
ظهر بالأشعة عدم وجود كسر. لكن أظهرت الأشعة وجود أجسام غريبة معدنية ناحية أسفل يمين الصورة.



لم يمكن نسخ صورة الأشعة الأصلية لكنها كانت مماثلة للأشعة التالية (صورة أشعة مفتوجة المصدر من موقع راديوبيديا)

صورة مكبرة منها

نفس المصدر السابق[1]

طبعاً لقد إستبعدنا وجود كسر بالأشعة وتحقق الغرض منها. ولكن ظهرت إشكالية جديدة قد تسمى في عرف طب الأشعة Incidentaloma بسبب العثور على شئ غير يتوقع وغير معروف ماهيته.
وهو الأجسام المعدنية؟ وتم التأكد من أن المريض وملابسه ليس بها شئ. ولا يبدو أنها أشياء مبتلعة بالجهاز الهضمي.

والمريض ذاكرته بها بعض القصور. لكنه لا يتذكر عمل أي عمليات ولا أبناءه يتذكرون. ولا يوجد علامة ندبة من جراحات سابقة بالمنطقة.

هاهنا يحدث الحرج. فقد تم عرض الأشعة على إثنين من إستشاريي طب الأشعة ولم يتعرفوا على تلك "الأشياء".

كثيرا ما يمر الأطباء أثناء عمل أي فحوصات للمسنين أو للمرضى كثيري التردد على المستشفيات بأشياء مماثلة غير تقليدية. ولا يتوافر تقرير طبي عن أي جراحات أو تدخلات سابقة.

هنا واجب الطبيب هو محاولة التأكد من عدم وجود خطر على حياة المريض (مثلا وجود أي إضطراب في العلامات الحيوية أو الفحوصات مثل المعامل) أو تأثر الحالة العامة للمريض مثلا إنخفاض نشاطه أو أكله. وهذا مؤشر عام.
وكان كل ذلك طبيعيا بالمريض.

هنا يحاول الطبيب الإجتهاد والتخمين قدر إستطاعته بالمنطق الطبي (المنطق أحد تعريفاته هو التفكير العلمي المتسلسل المبني على الحقائق لكن لا يشترط صحته). وقد يصيب المنطق أو يخطئ, ولكن هو إجتهاد الطبيب.

في هذه الحالة إجتهدت مع زميلي د محمد عمروسي في التخمين. فهذه "الأشياء" تبدو معدنية وتشبه السوستة/الزنبرك ومكانها مجمعها حول المنطقة الإربية. فربما كانت نوع ما من دبابيس تثبيت عمليات الفتق مثلا.
فبحثنا على الإنترنت عن دبابيس تثبيت جراحي لولبية فعثرنا عليها وعثرنا على الصورة النادرة المماثلة لحالتنا المرفقة في هذه المدونة.

كما وجدنا ورقة علمية منشورة تسجل حدوث ناسور معوي كمضاعفة لإستخدام ذلك النوع من الدبابيس المثبتة الجراحية[2].

وعند إعادة سؤال الأسرة الجراحات السابقة بالمنطقة, تذكر أحد الأبناء أن والده سافر لألمانيا لعمل جراحة منذ سنوات عديدة.

فائدة:
في المسنين قد نفاجئ بأشياء غير متوقعة ومجهولة. المسن مر على مواقع رعاية صحية متعددة بأماكن ومستشفيات وربما دول متعددة. وغالبا تفقد كل الأوراق القديمة والتقارير. كما قد تتأثر ذاكرة المسن وأسرته فتطوى جراحات قديمة في طي النسيان. وهذا تحدي كبير لمقدمي الرعاية الصحية للمسنين. فالتاريخ العلاجي جزء مهم من إدراك التشخيص ومن وضع خطط العلاج.

علينا الإجتهاد قدر المستطاع والتوفيق يكون من عند الله. فإن لم نوفق, فعلينا التأكد من عدم وجود شئ يهدد الحياة أو وجود إضطراب يحتاج مزيد من الفحوصات.
وكثيرا ما نقع في حرج عدم الوصول لكامل الحقيقة بسبب الحاجة لمزيد من الفحوصات أو الإستشارات التي قد تكون مكلفة للوقت والجهد والمال والقلق بدون داع. أو حرج عدم الوصول للحقيقة نهائيا بعد فحوصات وإستشارات متعددة تكلفت وقت وجهد ومال وقلق كثير.
على الحكيم التأكد من إتجاه بذل الوقت والجهد والمال وترشيد إستخدام تلك الموارد حسب الحاجة وحسب رجوح كفة ميزان المنفعة أمام الخطورة.

والله الموفق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق